انتبه؛ فعلم الطب والتطبب عادةً ما يشوبه الكثير من الاستدلالات الخاطئة من قِبَل المرضى أو المعالجين فاحذرها وحذرهم منها
انتبه؛ فعلم الطب والتطبب عادةً ما يشوبه الكثير من الاستدلالات الخاطئة من قِبَل المرضى أو المعالجين فاحذرها وحذرهم منها
{ تأصيل }
فقد تعترض أي طبيب أو معالج أو مريض سحابة الجهل البسيط أو المركب أو قلة المعرفة؛ ولن يُحكِمَ الإنسان العلاج الصحيح ما لم يُزل عن نفسه هذه السحابة بالعلم والمعرفة والسؤال والبحث الصحيح؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ما من القلوب قلب إلا و له سحابة كسحابة القمر، بينا القمر مضيء إذ علته سحابة فأظلم، إذ تجلت عنه فأضاء.[1] ولهذا وجب علينا البيان.
{ احذر }
فالبعض قد يجهل أكثر الأصول الطبية وضوحاً وأفضل العلاجات نفعاً للعباد؛ بالاعتماد على أدلةٍ دون أخرى؛ فعن جابر بن عبد الله أن رسول الله عاد مريضا فقال : ” ألا تدعو له طبيبا ؟ ” . قالوا : يا رسول الله و أنت تأمرنا بهذا ؟ قال : فقال : ” إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل معه دواء “.[2] وعَادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا بِهِ جُرْحٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” ادْعُوا لَهُ طَبِيبَ بَنِي فُلَانٍ “، قَالَ: فَدَعَوْهُ فَجَاءَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَيُغْنِي الدَّوَاءُ شَيْئًا؟ فَقَالَ: ” سُبْحَانَ اللهِ، وَهَلْ أَنْزَلَ اللهُ مِنْ دَاءٍ فِي الْأَرْضِ، إِلَّا جَعَلَ لَهُ شِفَاءً “.[3]
وعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا الْحَجَّامَ، فَأَتَاهُ بِقُرُونٍ، فَأَلْزَمَهُ إِيَّاهَا، قَالَ عَفَّانُ: مَرَّةً بِقَرْنٍ، ثُمَّ شَرَطَهُ بِشَفْرَةٍ، فَدَخَلَ أَعْرَابِيٌّ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ، أَحَدِ بَنِي خُزَيْمَة، فَلَمَّا رَآهُ يَحْتَجِمُ، وَلَا عَهْدَ لَهُ بِالْحِجَامَةِ، وَلَا يَعْرِفُهَا، قَالَ: مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ عَلَامَ تَدَعُ هَذَا يَقْطَعُ جِلْدَكَ؟ قَالَ: ” هَذَا الْحَجْمُ “، قَالَ: وَمَا الْحَجْمُ؟ قَالَ: ” هُوَ مِنْ خَيْرِ مَا تَدَاوَى بِهِ النَّاسُ “[4] وقال الله الشافي: وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94) قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95) يوسف. فأنكروا أن العلاج القادم؛ بل وزعموا أن هذا النوع من العلاجات تخاريف وضلال قديم؛ لجهلهم؛ رغم أنهم أولى بالوصف بالضلال ممن وصفوه به وهم في هذه الحالة.
{ احذر }
ووجدنا هذه الأيام من ينكر التطبب بالأعشاب من أصله، فيهمل الأشربة والخيرات التي سخرها الله تعالى لنا في هذا الكون؛ ويسارع إلى الأدوية الصناعية فقط؛ وقد قال صاحب موسوعة العلاج الطبيعي في هذا الشأن: لا يمكن أن تكون الأعشاب التي عالجت ملايين البشر عبر القرون طريقة علاجية فاشلة. ولماذا نرى ارتفاع معدلات الوفيات بالقلب والسرطان إلى مستويات عالية؟ ولماذا نرى ارتفاع معدلات الإصابة بالانهيار العصبي والكآبة وقرحة المعدة وعجز الكلى والسكري وغيرها إلى مستويات مرتفعة جدا؟ إن العلاج الطبيعي يخلص المريض من أخطار الآثار الجانبية للعقاقير التي يلجأ إليها الطب المتداول فهذه العقاقير ما هي إلا سموم إذا نفعت من جهة تضر من جهة أخرى على عكس طرق العلاج الطبيعي. كما أن كلفة العلاج البديل لا تقاس بالكلفة العالية للطب المتداول والتي قد تصل إلى مبالغ لا يقدر عليها كل إنسان كما في العمليات الجراحية. [5] ونقل صاحب صحيح الطب النبوي كلام ابن ماسويه الطبيب؛ فقال عند حديث – مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ ، حَسْبُ الآدَمِيِّ ، لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ ، فَإِنْ غَلَبَتِ الآدَمِيَّ نَفْسُهُ ، فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ ، وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ ، وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ- : لو استعمل الناس هذه الكلمات سلموا من الأمراض والأسقام ولتعطلت المارستانات ودكاكين الصيادلة.[6] وقال ابن القيم: قَدْ اتّفَقَ الْأَطِبّاءُ عَلَى أَنّهُ مَتَى أَمْكَنَ التّدَاوِي بِالْغِذَاءِ لَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَى الدّوَاءِ وَمَتَى أَمْكَنَ بِالْبَسِيطِ لَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَى الْمُرَكّبِ .قَالُوا : وَكُلّ دَاءٍ قُدِرَ عَلَى دَفْعِهِ بِالْأَغْذِيَةِ وَالْحِمْيَةِ لَمْ يُحَاوَلْ دَفْعُهُ بِالْأَدْوِيَةِ .قَالُوا : وَلَا يَنْبَغِي لِلطّبِيبِ أَنْ يَوْلَعَ بِسَقْيِ الْأَدْوِيَةِ فَإِنّ الدّوَاءَ إذَا لَمْ يَجِدْ فِي فَزَادَتْ كَمّيّتُهُ عَلَيْهِ أَوْ كَيْفِيّتُهُ تَشَبّثَ بِالصّحّةِ وَعَبِثَ بِهَا.[7] مع ملاحظة أن قول ابن قيم عن اتفاق الأطباء؛ يُقصد به أهل الطب قديماً لا حديثاً؛ فلا يشترط الطب الحديث معرفة الطبيب بالغذاء وأسباب الأمراض؛ بل يكفي أن يكون عالماً في تشخيص المرض وإيعاز المريض إلى الدواء الصناعي المناسب. وعدم إلمام الأطباء المعاصرين بالمعلومات الغذائية إلا إن كان طبيباً متخصصا في التغذية أمر مشاهد لا ينكره أحد.
{ احذر }
وقد وجدنا من استشكل الدعاء للمريض بالشفاء رغم عظمة أجر المرض؛ فقد ثبت أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَتَى مريضا ، أَوْ أُتِيَ بِهِ- قَالَ أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي لاَ شفاء إِلاَّ شِفَاؤُكَ شفاء لاَ يُغَادِرُ سقما.[8] قال صاحب الفتح: وَقَدِ اسْتَشْكَلَ الدُّعَاءُ لِلْمَرِيضِ بِالشِّفَاءِ مَعَ مَا فِي الْمَرَضِ مِنْ كَفَّارَةِ الذُّنُوبِ وَالثَّوَابِ كَمَا تَضَافَرَتِ الْأَحَادِيثُ بِذَلِكَ وَالْجَوَابُ أَنَّ الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ وَلَا يُنَافِي الثَّوَابَ وَالْكَفَّارَةَ لِأَنَّهُمَا يَحْصُلَانِ بِأَوَّلِ مَرَضٍ وَبِالصَّبْرِ عَلَيْهِ وَالدَّاعِي بَيْنَ حَسَنَتَيْنِ إِمَّا أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مَقْصُودُهُ أَوْ يُعَوَّضَ عَنْهُ بِجَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ وَكُلٌّ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى.[9] وبوّب البخاري في صحيحه؛ باب من دعا برفع الوباء والحمى؛ وفيه قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ. كَحُبِّنَا مَكَّةَ ، أَوْ أَشَدَّ وَصَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ.[10] قال صاحب الفتح: وَقَدِ اسْتَشْكَلَ بَعْضُ النَّاسِ الدُّعَاءَ بِرَفْعِ الْوَبَاءِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الدُّعَاءَ بِرَفْعِ الْمَوْتِ وَالْمَوْتُ حَتْمُ مَقْضِيٍّ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَبَثًا وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي التَّعَبُّدَ بِالدُّعَاءِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ فِي طُولِ الْعُمْرِ أَوْ رَفْعِ الْمَرَضِ وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْأَحَادِيثُ بالاستعاذة من الْجُنُون والجذام وسيئ الْأَسْقَامِ وَمُنْكَرَاتِ الْأَخْلَاقِ وَالْأَهْوَاءِ وَالْأَدْوَاءِ فَمَنْ يُنْكِرُ التَّدَاوِي بِالدُّعَاءِ يَلْزَمُهُ أَنْ يُنْكِرَ التَّدَاوِي بِالْعَقَاقِيرِ وَلَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ إِلَّا شُذُوذٌ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ وَفِي الِالْتِجَاءِ إِلَى الدُّعَاءِ مَزِيدُ فَائِدَةٍ لَيْسَتْ فِي التَّدَاوِي بِغَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْخُضُوعِ وَالتَّذَلُّلِ لِلرَّبِّ سُبْحَانَهُ بَلْ مَنْعُ الدُّعَاءِ مِنْ جِنْسِ تَرْكِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ اتِّكَالًا عَلَى مَا قُدِّرَ فَيَلْزَمُ تَرْكُ الْعَمَلِ جُمْلَةً وَرَدُّ الْبَلَاءِ بِالدُّعَاءِ كَرَدِّ السَّهْمِ بِالتُّرْسِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْإِيمَانِ بِالْقَدْرِ أَنْ لَا يَتَتَرَّسَ مِنْ رَمْي السَّهْمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ[11]
{ احذر }
ووجدنا البعض يُشهر ما لم يرد في السنة فيعتقد أنه من قوله صلى الله عليه وسلم؛ فقد نقل ابن القيم مقولة: الْحِمْيَةُ رَأْسُ الدّوَاءُ وَالْمَعِدَةُ بَيْتُ الدّاءِ وَعَوّدُوا كُلّ جِسْمٍ مَا اعْتَادَ. وقال عندها: فَهَذَا الْحَدِيثُ إنّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ طَبِيبِ الْعَرَبِ وَلَا يَصِحّ رَفْعُهُ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمّةِ الْحَدِيثِ .[12] وقد قال صلى الله عليه وسلم: « بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا ».[13]
{ احذر }
والبعض ينتهج النهج الخاطئ في الطب رغم زعمه الحرص على التطبيب والتطبب؛ بل قد يستخدم الداء في العلاج معتقداً أنه دواء؛ فقد ثبت أَنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الْجُعْفِىَّ سَأَلَ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْخَمْرِ فَنَهَا أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا فَقَالَ إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ فَقَالَ « إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ ». [14] وفي روايةٍ؛ عَنْ طَارِقِ بْنِ سُوَيْدٍ الْحَضْرَمِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ بِأَرْضِنَا أَعْنَابًا نَعْتَصِرُهَا ، فَنَشْرَبُ مِنْهَا ؟ قَالَ : لاَ , فَرَاجَعْتُهُ ، قُلْتُ : إِنَّا نَسْتَشْفِي بِهِ لِلْمَرِيضِ ، قَالَ : إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشِفَاءٍ ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ.[15] والبعض قد يرتكب محظورات شرعية باسم التطبيب والتطبب رغم تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا شفاء لأمة محمد فيما حرم ربها عليها؛ فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ: إِنَّ طَبِيبًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ضِفْدَعٍ يَجْعَلُهَا فِي دَوَاءٍ فَنَهَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِهَا.[16]
{ احذر }
وإني والله لأعجب ممن يستخدم البدعة علاجاً للأمراض والأسقام؛ رغم أن السامري ما مرض إلا بسبب بدعته؛ ورغم أن الله أنزل الطاعون والرجز من السماء على المبدلين للوحي من بني إسرائيل؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم: مَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا.[17] فتجده يخترع أوراداً وعبادات ما أنزل الله بها من سلطان بزعم أنها تشفي بإذن الله تعالى؛ وكأنه علم ما لم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم.
{ احذر }
وما أكثر من يفتي الناس بغير علم في أمراضهم وأسقامهم فيهلكهم؛ فقط لاستعجالهم وعدم سؤالهم في المسائل الطبية؛ فعَن عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ خَرَجْنَا فِى سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلاً مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِى رَأْسِهِ ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ هَلْ تَجِدُونَ لِى رُخْصَةً فِى التَّيَمُّمِ فَقَالُوا مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ « قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَلاَّ سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِىِّ السُّؤَالُ ».[18] وفي روايةٍ؛ أَصَابَ رَجُلاً جُرْحٌ فِى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ احْتَلَمَ فَأُمِرَ بِالاِغْتِسَالِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءُ الْعِىِّ السُّؤَالَ ».[19] وعنِ الْحَسَنِ البصري يَقُولُ : أَمَا تَعْجَبُونَ لِهَذَا ؟ يَعْنِي : مَالِكَ بْنَ الْمُنْذِرِ عَمَدَ إِلَى شُيُوخٍ مِنْ أَهْلِ كَسْكَرَ أَسْلَمُوا ، فَفَتَّشَهُمْ فَأَمَرَ بِهِمْ فَخُتِنُوا ، وَهَذَا الشِّتَاءُ ، فَبَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَهُمْ مَاتَ ، وَلَقَدْ أَسْلَمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرُّومِيُّ وَالْحَبَشِيُّ فَمَا فُتِّشُوا عَنْ شَيْءٍ.[20]
{ احذر }
وقد يرتكب البعض أسباب الأمراض والأسقام والابتلاءات مع تغليبه الرجاء خطأً منه؛ فقال الله الشافي: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ … (87) الأنبياء. وقال تعالى: وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) الصافات. قال صاحب التيسير: { وَهُوَ مُلِيمٌ } أي: فاعل ما يلام عليه والظاهر أن عجلته ومغاضبته لقومه وخروجه من بين أظهرهم قبل أن يأمره الله بذلك، ظن أن الله لا يقدر عليه، أي: يضيق عليه في بطن الحوت أو ظن أنه سيفوت الله تعالى، ولا مانع من عروض هذا الظن للكمل من الخلق على وجه لا يستقر، ولا يستمر عليه. [21]وقال ابن كثير: وَقَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ، أَيْ نَقْضِيَ عَلَيْهِ.[22]
{ احذر }
والبعض قد يخالف ما هو أولى لاجتهادٍ منه؛ فقد رُوي أَنَّ مِسْكِينَةً مَرِضَتْ فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَرَضِهَا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُ الْمَسَاكِينَ وَيَسْأَلُ عَنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَاتَتْ فَآذِنُونِي فَأُخْرِجَ بِجَنَازَتِهَا لَيْلًا وَكَرِهُوا أَنْ يُوقِظُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِالَّذِي كَانَ مِنْهَا فَقَالَ أَلَمْ آمُرْكُمْ أَنْ تُؤْذِنُونِي بِهَا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَرِهْنَا أَنْ نُوقِظَكَ لَيْلًا فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَفَّ بِالنَّاسِ عَلَى قَبْرِهَا وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ[23]
{ احذر }
ومن العجيب استدلال البعض على صحة الوحي أو خطئه بما يقع لهم من أحوال حياتهم؛ فقد بوّب البخاري في صحيحه؛ باب {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ}. إِلَى قَوْلِهِ {ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ}. وفيه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} قَالَ كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ الْمَدِينَةَ فَإِنْ وَلَدَتِ امْرَأَتُهُ غُلاَمًا وَنُتِجَتْ خَيْلُهُ قَالَ هَذَا دِينٌ صَالِحٌ وَإِنْ لَمْ تَلِدِ امْرَأَتُهُ وَلَمْ تُنْتَجْ خَيْلُهُ قَالَ هَذَا دِينُ سُوءٍ. [24] قال صاحب الفتح: وَفِي رِوَايَةِ الْعَوْفِيِّ وَإِنْ أَصَابَهُ وَجَعُ الْمَدِينَةِ وَوَلَدَتِ امْرَأَتُهُ جَارِيَةً وَتَأَخَّرَتْ عَنْهُ الصَّدَقَةُ أَتَاهُ الشَّيْطَانُ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا أَصَبْتَ عَلَى دِينِكَ هَذَا إِلَّا شَرًّا وَذَلِكَ الْفِتْنَةُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ فَإِنْ سَقِمَ جِسْمُهُ وَحُبِسَتْ عَنْهُ الصَّدَقَةُ وَأَصَابَتْهُ الْحَاجَةُ قَالَ وَاللَّهِ لَيْسَ الدِّينُ هَذَا مَا زِلْتُ أَتَعَرَّفُ النُّقْصَانَ فِي جِسْمِي وَحَالِي.[25]
{ احذر }
والبعض قد يخالف الوارد في السنة النبوية بسبب تقديمه تجربته الخاصة في الحكم على الأشياء؛ فقد ورد أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ ، فَقَالَ : لاَ بَأْسَ عَلَيْكَ ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، قَالَ : قَالَ الأَعْرَابِيُّ : ذاك طهور؟! كلا؛ بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ أو تثور ، عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ ، كَيْمَا تُزِيرُهُ الْقُبُورَ ، قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: فَنَعَمْ إِذًا.[26] وعَن يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: إِنَّ رَجُلًا جَاءَهُ الْمَوْتُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رجل: هنيئا لَهُ مَاتَ وَلَمْ يُبْتَلَ بِمَرَضٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْحَكَ وَمَا يُدْرِيكَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ ابْتَلَاهُ بِمَرَضٍ فَكَفَّرَ عَنهُ من سيئاته».[27]
{ احذر }
وعَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضى الله عنه يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِى صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ بِسْمِ اللَّهِ الَّذِى لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَىْءٌ فِى الأَرْضِ وَلاَ فِى السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَيَضُرُّهُ شَىْءٌ ». وَكَانَ أَبَانُ قَدْ أَصَابَهُ طَرَفُ فَالَجِ[28] فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ أَبَانُ مَا تَنْظُرُ أَمَا إِنَّ الْحَدِيثَ كَمَا حَدَّثْتُكَ وَلَكِنِّى لَمْ أَقُلْهُ يَوْمَئِذٍ لِيُمْضِىَ اللَّهُ عَلَىَّ قَدَرَهُ.[29] وعَنِ ابْنِ أُخْتِ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ ، عَنْ زَيْنَبَ قَالَتْ : كَانَتْ عَجُوزٌ تَدْخُلُ عَلَيْنَا تَرْقِي مِنَ الْحُمْرَةِ ، وَكَانَ لَنَا سَرِيرٌ طَوِيلُ الْقَوَائِمِ ، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ إِذَا دَخَلَ تَنَحْنَحَ وَصَوَّتَ ، فَدَخَلَ يَوْمًا فَلَمَّا سَمِعَتْ صَوْتَهُ احْتَجَبَتْ مِنْهُ ، فَجَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِي فَمَسَّنِي فَوَجَدَ مَسَّ خَيْطٍ فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ فَقُلْتُ : رُقًى لِي فِيهِ مِنَ الْحُمْرَةِ فَجَذَبَهُ وَقَطَعَهُ فَرَمَى بِهِ وَقَالَ : لَقَدْ أَصْبَحَ آلُ عَبْدِ اللهِ أَغْنِيَاءَ عَنِ الشِّرْكِ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّ الرُّقَى ، وَالتَّمَائِمَ ، وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ. قُلْتُ : فَإِنِّي خَرَجْتُ يَوْمًا فَأَبْصَرَنِي فُلاَنٌ ، فَدَمَعَتْ عَيْنِي الَّتِي تَلِيهِ ، فَإِذَا رَقَيْتُهَا سَكَنَتْ دَمْعَتُهَا ، وَإِذَا تَرَكْتُهَا دَمَعَتْ ، قَالَ : ذَاكِ الشَّيْطَانُ ، إِذَا أَطَعْتِهِ تَرَكَكِ ، وَإِذَا عَصَيْتِهِ طَعَنَ بِإِصْبَعِهِ فِي عَيْنِكِ ، وَلَكِنْ لَوْ فَعَلْتِ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ كَانَ خَيْرًا لَكِ ، وَأَجْدَرَ أَنْ تُشْفَيْنَ تَنْضَحِينَ فِي عَيْنِكِ الْمَاءَ وَتَقُولِينَ : أَذْهِبِ الْبَاسْ رَبَّ النَّاسْ ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي ، لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا.[30] مع ملاحظة أنه لا يمنع أن تكون قد اعتمدت على رقية هذا اليهودي قبل ورود النهي عن ذلك؛ وفي أول أيامها.
وقال ابن كثير: قَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: جَلَسَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ وَهُوَ يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ وَكَانَتْ يَدُهُ قَدْ أُصِيبَتْ يَوْمَ نَهَاوَنْدَ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: وَاللَّهِ إِنَّ حَدِيثَكَ لَيُعْجِبُنِي، وَإِنَّ يَدَكَ لَتُرِيبُنِي. فَقَالَ زَيْدٌ: مَا يُرِيبُكَ مِنْ يَدِي إِنَّهَا الشِّمَالُ؟ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي الْيَمِينَ يَقْطَعُونَ أَوِ الشِّمَالَ؟ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ: صَدَقَ اللَّهُ الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ.[31]
{ احذر }
والبعض قد ينكر الآداب النبوية الصحيحة لجهله بالسنة النبوية؛ فقد قالَ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ: لَيْتَنِي صَلَّيْتُ فَاسْتَرَحْتُ فَكَأَنَّهُمْ عَابُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: «أَقِمِ الصَّلَاةَ يَا بِلَالُ أَرِحْنَا بِهَا».[32] وكم من المرضى من كبار السن لا يتجهز للآخرة رغم شدة مرضه؛ بل يسوّف ويأمل طول العمر؛ وقد ثبت قوله صلى الله عليه وسلم: يَكْبَرُ ابْنُ آدَمَ وَيَكْبَرُ مَعَهُ اثْنَانِ حُبُّ الْمَالِ وَطُولُ الْعُمُرِ.[33]
{ احذر }
والبعض قد يشدد على نفسه اعتقاداً منه أن ذلك أفضل؛ رغم خطئه في ذلك؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَهَرٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالنَّاسُ صِيَامٌ، فِي يَوْمٍ صَائِفٍ مُشَاةً، وَنَبِيُّ اللهِ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ، فَقَالَ: ” اشْرَبُوا أَيُّهَا النَّاسُ ” قَالَ: فَأَبَوْا، قَالَ: ” إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أَيْسَرُكُمْ، إِنِّي رَاكِبٌ ” فَأَبَوْا. قَالَ: فَثَنَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخِذَهُ، فَنَزَلَ، فَشَرِبَ وَشَرِبَ النَّاسُ، وَمَا كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَشْرَبَ “.[34] وبوّب البخاري في صحيحه؛ باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّبَتُّلِ وَالْخِصَاءِ؛ وفيه رَدَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لاَخْتَصَيْنَا.[35] وقَالَ عَبْدُ اللهِ كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ لَنَا شَيْءٌ فَقُلْنَا أَلاَ نَسْتَخْصِي فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا أَنْ نَنْكِحَ الْمَرْأَةَ بِالثَّوْبِ ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ، وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.[36]
{ احذر }
والبعض قد يقدم ما هو مفضول على الفاضل زاعماً أنه يحسن صنعاً؛ فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : إِنَّمَا النِّسَاءُ عَوْرَةٌ ، وَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَتَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا وَمَا بِهَا مِنْ بَأْسٍ فَيَسْتَشْرِفُهَا الشَّيْطَانُ ، فَيَقُولُ : إِنَّكِ لَا تَمُرِّينَ بِأَحَدٍ إِلَّا أَعْجَبْتِيهِ، وَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَتَلْبَسُ ثِيَابَهَا فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدِينَ ؟ فَتَقُولُ: أَعُودُ مَرِيضًا أَوْ أَشْهَدُ جِنَازَةً ، أَوْ أُصَلِّي فِي مَسْجِدٍ ، وَمَا عَبَدَتِ امْرَأَةٌ رَبَّهَا ، مِثْلَ أَنْ تَعْبُدَهُ فِي بَيْتِهَا.[37]
{ احذر }
والبعض قد يطعن في صلاح وديانة الممتثلين لما ورد في الكتاب والسنة في شأن الأمراض والأسقام؛ فالعجب ممن يطعن في ديانة وتوكل من اعتزل المرضى ذوي المرض المعدي رغم ما ورد من أنه كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” ارْجِعْ فَقَدْ بَايَعْتُكَ “.[38] وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله عاد مريضا فقال : ” ألا تدعو له طبيبا ؟ ” . قالوا : يا رسول الله و أنت تأمرنا بهذا ؟ قال : فقال : ” إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل معه دواء “.[39] وعَادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا بِهِ جُرْحٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” ادْعُوا لَهُ طَبِيبَ بَنِي فُلَانٍ “، قَالَ: فَدَعَوْهُ فَجَاءَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَيُغْنِي الدَّوَاءُ شَيْئًا؟ فَقَالَ: ” سُبْحَانَ اللهِ، وَهَلْ أَنْزَلَ اللهُ مِنْ دَاءٍ فِي الْأَرْضِ، إِلَّا جَعَلَ لَهُ شِفَاءً “.[40]
{ احذر }
وما أكثر الطاعنين بأهل الديانة لجهلهم بالسنة النبوية الواردة في العناية بالمرضى؛ فكثيراً ما صرنا نرى من لا يلتمس العذر لمن قاموا بالاعتناء بالمرضى فقد ثبت في صحيح البخاري؛ أن رجلاً مَنْ أَهْلِ مِصْرَ جَاءَ حَجَّ الْبَيْتَ فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا فَقَالَ مَنْ هَؤُلاَءِ الْقَوْمُ قَالَ هَؤُلاَءِ قُرَيْشٌ قَالَ فَمَنِ الشَّيْخُ فِيهِمْ قَالُوا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ يَا ابْنَ عُمَرَ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَيْءٍ فَحَدِّثْنِي هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ وَلَمْ يَشْهَدْ قَالَ نَعَمْ قَالَ تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ ابْنُ عُمَرَ تَعَالَ أُبَيِّنْ لَكَ أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ مريضةً فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ لَبَعَثَهُ مَكَانَهُ فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عُثْمَانَ وَكَانَتْ بَيْعَةُ الرُّضْوَانِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ الْيُمْنَى هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ فَقَالَ هَذِهِ لِعُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ اذْهَبْ بِهَا الآنَ مَعَكَ.[41]
{ احذر }
والبعض قد يُلزِمُ المريض باتهامات ما أنزل الله بها من سلطان؛ جهلاً منه بسنن الله الكونية في أوليائه من حيث ابتلاؤهم؛ فعَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ أيوب عليه الصلاة والسلام لَبِثَ بِهِ بَلَاؤُهُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً فَرَفَضَهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ إِلَّا رَجُلَيْنِ كَانَا مِنْ أَخَصِّ إِخْوَانِهِ بِهِ كَانَا يَغْدُوَانِ إِلَيْهِ وَيَرُوحَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ تَعَلَّمْ وَاللَّهِ لَقَدْ أَذْنَبَ أَيُّوبُ ذَنْبًا مَا أَذْنَبَهُ أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ مُنْذُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يَرْحَمْهُ اللَّهُ فَيَكْشِفَ مَا بِهِ فَلَمَّا رَاحَا إِلَيْهِ لَمْ يَصْبِرِ الرَّجُلُ حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ أَيُّوبُ عَلَيْهِ الصلاة والسلام لَا أَدْرِي مَا تَقُولُ غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَمُرُّ عَلَى الرَّجُلَيْنِ يَتَنَازَعَانِ فيذكران الله تعالى فَأَرْجِعُ إِلَى بَيْتِي فَأُكَفِّرُ عَنْهُمَا كَرَاهِيَةَ أَنْ يذكر الله تعالى إِلَّا فِي حَقٍّ.[42] وقد أصاب بعض عظماء الصحابة طاعون عمواس؛ وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ ، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَيْهِ فَوَجَدْتُ حَرَّهُ بَيْنَ يَدَيَّ فَوْقَ اللِّحَافِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا أَشَدَّهَا عَلَيْكَ قَالَ : إِنَّا كَذَلِكَ يُضَعَّفُ لَنَا الْبَلاَءُ ، وَيُضَعَّفُ لَنَا الأَجْرُ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً ؟ قَالَ : الأَنْبِيَاءُ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ الصَّالِحُونَ ، إِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيُبْتَلَى بِالْفَقْرِ ، حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُهُمْ إِلاَّ الْعَبَاءَةَ يَحُوبُهَا ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيَفْرَحُ بِالْبَلاَءِ ، كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِالرَّخَاءِ.[43] وقال الألباني: وفي هذه الأحاديث دلالة صريحة على أن المؤمن كلما كان أقوى إيمانا، ازداد ابتلاء وامتحانا، والعكس بالعكس، ففيها رد على ضعفاء العقول والأحلام الذين يظنون أن المؤمن إذا أصيب ببلاء كالحبس أو الطرد أو الإقالة من الوظيفة و نحوها أن ذلك دليل على أن المؤمن غير مرضي عند الله تعالى! و هو ظن باطل، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أفضل البشر، كان أشد الناس حتى الأنبياء بلاء، فالبلاء غالبا دليل خير، و ليس نذير شر، كما يدل على ذلك أيضا الحديث الآتي: ” إن عظم الجزاء مع عظم البلاء ، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط”.[44]
{ احذر }
والبعض يجرح أكثر الناس رفعةً ومكانةً عند الله تعالى؛ فعَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: عَادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلاً مِنَ الْأَنْصَارِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْ مَنْزِلِهِ سَمِعَهُ يَتَكَلَّمُ فِي الدَّاخِلِ، فَلَمَّا أَسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ دَخْلَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرَ أَحَدًّا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَمِعْتُكَ تُكَلِّمُ غَيْرَكَ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَقَدْ دَخَلْتُ الدَّاخِلَ اِغْتِمَامًا بِكَلَاَمِ النَّاسِ مِمَّا بِي مِنَ الْحُمَّى، فَدَخَلَ عَلَيَّ دَاخِلٌ مَا رَأَيْتُ رَجُلًا قَطُّ بَعْدَكَ أكْرَمَ مَجْلِسًا، وَلَا أَحْسَنَ حَديثًا مِنْهُ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: ذَاكَ جبريلُ عَلَيْهِ السُّلَّامُ، وَإِنَّ مِنْكُمْ لَرِجَالاً لَوْ أَنَّ أحَدَهُمْ يُقْسِمُ عَلَى اللهِ لِأَبَرَّهُ.[45]
وما أعجب حال من يخبط نصوص الوحي ببعضها البعض فيهمل بعضها من غير دليل؛ فقد أجاب ابن عباس رضي الله عنهما القائلين بنسخ قول الله تعالى فدية طعام مسكين بغير دليل؛ فعَن ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ }؛ يُطِيقُونَهُ يُكَلَّفُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ وَاحِدٍ { فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا }؛ طَعَامُ مِسْكِينٍ آخَرَ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ { فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ } لَا يُرَخَّصُ فِي هَذَا إِلَّا لِلَّذِي لَا يُطِيقُ الصِّيَامَ أَوْ مَرِيضٍ لَا يُشْفَى.[46]
والبعض يستدل بما شرُع للمريض خاصةً فيجعله في حق الأصحاء أيضاً؛ فعن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَتَرَبَّعُ فِي الصَّلاَةِ إِذَا جَلَسَ فَفَعَلْتُهُ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ فَنَهَانِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ وَقَالَ إِنَّمَا سُنَّةُ الصَّلاَةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَكَ الْيُمْنَى وَتَثْنِيَ الْيُسْرَى فَقُلْتُ إِنَّكَ تَفْعَلُ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ رِجْلَيَّ لاَ تَحْمِلاَنِي. [47] قال صاحب الفتح: قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ ..وَأَمَّا الصَّحِيحُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّرَبُّعُ فِي الْفَرِيضَةِ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ كَذَا قَالَ وروى بن أبي شيبَة عَن بن مَسْعُودٍ قَالَ لَأَنْ أَقْعُدَ عَلَى رَضَفَتَيْنِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْعُدَ مُتَرَبِّعًا فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا يُشْعِرُ بِتَحْرِيمِهِ عِنْدَهُ ...[48]
{ احذر }
والبعض قد يعتقد أن رأيه أصوب مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم لتأويلات متنوعة؛ فعَن عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَيْتِى قَالَ « مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ». قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لاَ يَمْلِكُ دَمْعَهُ فَلَوْ أَمَرْتَ غَيْرَ أَبِى بَكْرٍ. قَالَتْ وَاللَّهِ مَا بِى إِلاَّ كَرَاهِيَةُ أَنْ يَتَشَاءَمَ النَّاسُ بِأَوَّلِ مَنْ يَقُومُ فِى مَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ فَرَاجَعْتُهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا فَقَالَ « لِيُصَلِّ بِالنَّاسِ أَبُو بَكْرٍ فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ ». [49]و عن عائشة، لَدَدْنَاهُ فِي مَرَضِهِ فَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ لاَ تَلُدُّونِي فَقُلْنَا كَرَاهِيَةُ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ تَلُدُّونِي قُلْنَا كَرَاهِيَةَ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ فَقَالَ : لاَ يَبْقَى أَحَدٌ فِي الْبَيْتِ إِلاَّ لُدَّ – وَأَنَا أَنْظُرُ – إِلاَّ الْعَبَّاسَ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ.[50]
{ احذر }
والبعض قد يجهل مقاصد الشرع الحكيم فيُعمم الفتيا في بعض المسائل دون اعتبار مقاصد الشرع الحكيم؛ تلبيساً من إبليس عليه؛ فعن أم كبشة – امرأة من بني عذرة – أنها قالت :يا رسول الله ! إيذن لي أن أخرج مع جيش كذا و كذا . قال : لا . قالت : يا نبي الله ! إني لا أريد القتال ، إنما أريد أن أداوي الجرحى و أقوم على المرضى .قال : ” لولا أن تكون سنة ، يقال : خرجت فلانة ! لأذنت لك و لكن اجلسي في بيتك “.[51] وعن أم كبشة امرأة من قضاعة: أنها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تغزو معه؟ فقال : لا، فقالت: يا رسول الله إني أداوي الجريح، و أقوم على المريض، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” اجلسي لا يتحدث الناس أن محمدا يغزو بامرأة “.[52] فليس امتهان النساء للطب في الغزو جائز لكل النساء؛ فعَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ نَوْفَلٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا غَزَا بَدْرًا قَالَتْ قُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِى فِى الْغَزْوِ مَعَكَ أُمَرِّضُ مَرْضَاكُمْ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِى شَهَادَةً. قَالَ « قِرِّى فِى بَيْتِكِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْزُقُكِ الشَّهَادَةَ ». قَالَ فَكَانَتْ تُسَمَّى الشَّهِيدَةَ.[53]
{ احذر }
وما أكثر من يفتي بغير ما ورد في الكتاب والسنة تقديماً لآراء البشر من حوله أو أهل العلم الذين غابت عنهم النصوص لأسبابٍ لا يعلمها إلا الله تعالى؛ فقد قَالَ أَبُو مُوسَى أَرَأَيْتَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِذَا أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدْ مَاءً كَيْفَ يَصْنَعُ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ لاَ يُصَلِّي حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ فَقَالَ أَبُو مُوسَى فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِقَوْلِ عَمَّارٍ حِينَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَكْفِيكَ قَالَ أَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِذَلِكَ فَقَالَ أَبُو مُوسَى فَدَعْنَا مِنْ قَوْلِ عَمَّارٍ كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الآيَةِ فَمَا دَرَى عَبْدُ اللهِ مَا يَقُولُ فَقَالَ إِنَّا لَوْ رَخَّصْنَا لَهُمْ فِي هَذَا لأَوْشَكَ إِذَا بَرَدَ عَلَى أَحَدِهِمُ الْمَاءُ أَنْ يَدَعَهُ وَيَتَيَمَّمَ.[54] وفي روايةٍ؛ قَالَ أَبُو مُوسَى لِعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ لاَ يُصَلِّي قَالَ عَبْدُ اللهِ لَوْ رَخَّصْتُ لَهُمْ فِي هَذَا كَانَ إِذَا وَجَدَ أَحَدُهُمُ الْبَرْدَ قَالَ هَكَذَا ، يَعْنِي تَيَمَّمَ وَصَلَّى، قَالَ : قُلْتُ فَأَيْنَ قَوْلُ عَمَّارٍ لِعُمَرَ قَالَ إِنِّي لَمْ أَرَ عُمَرَ قَنِعَ بِقَوْلِ عَمَّارٍ.[55]
{ احذر }
والبعض قد ينكر سنةً واضحةً؛ فقد بوّب الإمام البخاري في صحيحه؛ باب النفث في الرقية؛ وفيه عَنْ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ نَفَثَ فِي كَفَّيْهِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَبِالْمُعَوِّذَتَيْنِ جَمِيعًا ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَمَا بَلَغَتْ يَدَاهُ مِنْ جَسَدِهِ. [56] قال صاحب الفتح: قوله باب النفث في الرقية إِشَارَةٌ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ كَرِهَ النَّفْثَ مُطْلَقًا كَالْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ أَحَدِ التَّابِعِينَ تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَعَلَى مَنْ كَرِهَ النَّفْثَ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ خَاصَّة كإبراهيم النَّخعِيّ.[57] فالعجب كل العجب ممن لا يجمع بين النصوص الشرعية الجمع الأشمل، فتجده يهمل بعضها أو يستدل بأدلة عامة لنقض أدلة خاصة!! مخالفاً بذلك قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) آل عمران.
{ احذر }
والبعض يستخدم ما كان خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم فيطلقه لجميع المعالجين؛ ومن ذلك ما ثبت أن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مريض فَتَوَضَّأَ فَصَبَّ عَلَيَّ ، أَوْ قَالَ صُبُّوا عَلَيْهِ فَعَقَلْتُ…[58] فنجزم أن هذا الأمر ليس مطلقاً لجميع الناس؛ بل هو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ فحتى كبار الصحابة من بعده صلى الله عليه وسلم لم يتوضؤوا للمريض في زيارتهم له.
{ احذر }
وقد لا يمتثل المعالج أو المريض جميع ما ورد في السنة النبوية الصحيحة في الأمر المعين؛ فرغم أنه ثبت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلاَ تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ[59] ». قَالَ مُعَاوِيَةُ بَلَغَنِى أَنَّ الْبَطَلَةَ السَّحَرَةُ.[60] فقد رُوي أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: وإن سنام القرآن سورة البقرة من قرأها في بيته ليلا لم يدخل الشيطان بيته ثلاث ليال ومن قرأها نهارا لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام.[61]
{ احذر }
وقد لا يمتثل المعالج نصح المريض بما يلزمه قراءته عند النوم رغم إصابة المريض بالفزع الليلي؛ مع اجتهاد المعالج بتحويل المريض إلى علاجات أخرى أقل نفعاً؛ فعن أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ وَكَّلَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَقَالَ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ ، وَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَدَقَكَ وَهْوَ كَذُوبٌ ذَاكَ شَيْطَانٌ.[62] وعَنْ أَبِى سَلَمَةَ قَالَ كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا أُعْرَى مِنْهَا غَيْرَ أَنِّى لاَ أُزَمَّلُ حَتَّى لَقِيتُ أَبَا قَتَادَةَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلْمًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاَثًا وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ ».[63] وعن خالد بن الوليد قال : كنت أفزع بالليل ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : إني أفزع بالليل فآخذ سيفي فلا ألقى شيئا إلا ضربته بسيفي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ألا أعلمك كلمات علمني الروح الأمين ؟ قل : أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر و لا فاجر من شر ما ينزل من السماء و ما يعرج فيها و من شر فتن الليل و النهار و من كل طارق إلا طارق يطرق بخير، يا رحمن ! “.[64]
{ احذر }
ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم رقى مرضى المسلمين بسورة البقرة وآية الكرسي رغم حثه على قراءتهما بحسب ما ورد في الأدلة الصحيحة، ولم يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم آية الكرسي ولا سورة البقرة ضمن أذكار الصباح والمساء ولا ضمن أوراد الرقية الشرعية لنفسه أو غيره قط، ولم يرد دليل واحد بذلك. والشياطين يخفون أنفسهم وما يألمون له عن أعين الإنس؛ ولذلك يخدعون الرقاة فإن قرأت على المصروع أو المريض المعوذتين والفاتحة وسورة الكافرون؛ يصبر الشيطان ويتحمل ليهيء لك أنها لا تنفع؛ ووإن قرأت غيرها يهيء لك زوال كيده وشروره لكي تحرص على الابتعاد عن الصحيح الوارد.
- [1] السلسلة الصحيحة 2268
- [2] السلسلة الصحيحة 2873
- [3] مسند الإمام أحمد 23156 صححه الأرنؤوط
- [4] مسند الإمام أحمد 20096 صححه الأرنؤوط
- [5] موسوعة العلاج الطبيعي ص 8 -باختصار وتصرف-
- [6] صحيح الطب النبوي 48
- [7] زاد المعاد في هدي خير العباد ص 9-10
- [8] صحيح البخاري 5675
- [9] فتح الباري شرح صحيح البخاري – لابن حجر العسقلاني 10/132
- [10] صحيح البخاري 5677
- [11] فتح الباري شرح صحيح البخاري – لابن حجر العسقلاني 10/133
- [12] زاد المعاد في هدي خير العباد ص 96
- [13] السلسلة الصحيحة 866
- [14] صحيح مسلم 5256
- [15] صحيح سنن ابن ماجة 2820/3491 صحيح
- [16] مشكاة المصابيح 4545/32 صحيح
- [17] صحيح مسلم 6980
- [18] صحيح سنن أبي داود 364 حسن
- [19] صحيح سنن أبي داود 365 صحيح
- [20] صحيح الأدب المفرد 592/1251 صحيح الإسناد موقوفاً
- [21] تيسير الكريم الرحمن – تفسير السعدي للآية
- [22] تفسير القرآن العظيم للآية
- [23] صحيح وضعيف سنن النسائي 1907 صحيح
- [24] صحيح البخاري 4742
- [25] فتح الباري شرح صحيح البخاري – لابن حجر العسقلاني 8/443
- [26] صحيح الأدب المفرد 399/514 صحيح
- [27] مشكاة المصابيح 1578-56 صحيح
- [28] الفالج : شلل يصيب أحد شقى الجسم طولا
- [29] الجامع الصحيح سنن الترمذي 2698 صحيح
- [30] سنن ابن ماجة بتحقيق الأرنؤوط 3530 حسن
- [31] تفسير القرآن العظيم
- [32] مشكاة المصابيح 1253-12 صحيح
- [33] صحيح البخاري 6421
- [34] مسند الإمام أحمد 11423 صححه الأرنؤوط
- [35] صحيح البخاري 5073
- [36] صحيح البخاري 5075
- [37] صحيح الترغيب والترهيب -صحيح موقوفاً- بعد الحديث 348
- [38] مسند الإمام أحمد 19474 صححه الأرنؤوط
- [39] السلسلة الصحيحة 2873
- [40] مسند الإمام أحمد 23156 صححه الأرنؤوط
- [41] صحيح البخاري 3698
- [42] السلسلة الصحيحة 17
- [43] صحيح سنن ابن ماجة 3250/4014 صحيح
- [44] السلسلة الصحيحة” 1 / 226
- [45] السلسلة الصحيحة 3135
- [46] صحيح وضعيف سنن النسائي 2317 صحيح
- [47] صحيح البخاري 827
- [48] فتح الباري شرح صحيح البخاري – لابن حجر العسقلاني 2/306
- [49] صحيح مسلم 967
- [50] صحيح البخاري 4458
- [51] السلسلة الصحيحة 2740
- [52] السلسلة الصحيحة 2887
- [53] صحيح سنن أبي داود 605 حسن
- [54] صحيح البخاري 346
- [55] صحيح البخاري 345
- [56] صحيح البخاري 5748
- [57] فتح الباري شرح صحيح البخاري – لابن حجر العسقلاني 10/209
- [58] صحيح البخاري 5676
- [59] البطلة : السحرة
- [60] صحيح مسلم 1910
- [61] صحيح الترغيب والترهيب 1462 حسن لغيره
- [62] صحيح البخاري 3275
- [63] صحيح مسلم 6034
- [64] السلسلة الصحيحة 2738
استجابات