التخلية قبل التحلية

التخلية قبل التحلية

فالتخلص من السموم والأقذار والأذى أولويةٌ؛ فقد ورد أن ابن عمر: “كان إذا أراد أكل الجلّالة[1] حبسها ثلاثا“.[2] وورد أَنَّ فَأْرَةً وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ فَمَاتَتْ فَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْهَا فَقَالَ أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوهُ.[3] وورد أيضاً أثر ابن عمر: ” ترك الخلال يوهن الأسنان ” وقال ابن عمر: ” إن فضل الطعام الذى يبقى بين الأضراس يوهن الأضراس “.[4] وكان صلى الله عليه وسلم لا ينام إلا والسواك عنده، فإذا استيقظ بدأ بالسواك.[5] وقال صلى الله عليه وسلم: « لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ لأَمَرْتُهُمْ بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ وَبِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ ».[6] وقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ ثمَّ يَقُولُ بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ الصَّالِحِينَ.[7] وقال صلى الله عليه وسلم: مَعَ الْغُلاَمِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى[8].[9]

{ فائدة }

قال صلى الله عليه وسلم عن يأجوج ومأجوج: فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهُمُ النَّغَفَ فِى رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِىُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الأَرْضِ فَلاَ يَجِدُونَ فِى الأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلاَّ مَلأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ فَيَرْغَبُ نَبِىُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لاَ يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ فَيَغْسِلُ الأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ ثُمَّ يُقَالُ لِلأَرْضِ أَنْبِتِى ثَمَرَتَكِ وَرُدِّى بَرَكَتَكِ.[10]

{ تأمل 17 }

ومن المفيد البحث في إسناد الرواية التي أوردها الحاكم في مستدركه فصححها وسكت عنها الذهبي؛ وفيها عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ: خَرَجَ فِي عُنُقِي خُرَّاجٌ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «افْتَحِيهِ فَلَا تَدَعِيهِ يَأْكُلُ اللَّحْمَ وَيَمُصُّ الدَّمَ».[11]

{ تدريب 3 }

قال صلى الله عليه وسلم: إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِكُمْ ، فَلْيَغْمِسْهُ فِيهِ، ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ، فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً، وَفِي الآخَرِ شِفَاءً.[12] فما الرد الأمثل على شخص قام بنزع وطرح الذباب فوراً دون غمس شقه الآخر؛ زاعماً أن هذا من التخلية؟

{ فائدة }

لم نورد الحديث الوارد في صحيح الجامع (4926)، المشكاة (4542)، أبو داود (3859)، ابن ماجه (3484)؛ والذي نصه: «من أهراق من هذه الدماء فلا يضره أن لا يتداوى بشيء لشيء». لأن الألباني تراجع عن تصحيحه في تلك الكتب في الضعيفة (1867)؛ كما أن الأرنؤوط قام بتضعيفه.

{ استدلال إشاري }

والتخلية معتبرةٌ شرعاً حتى في الأمراض المعنوية؛ فتخلية الشركيات والبدع ومن يوقعون الفرقة والعداوة بين المسلمين أولى من تخلية الأمراض والأوبئة في المجتمعات؛ ولهذا فإنه لما اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وجعهُ … – أَمَرَهُمْ بِثَلاَثٍ قَالَ منها – أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ.[13] وقَالَ عمر: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ انْظُرْ مَنْ قَتَلَنِي فَجَالَ سَاعَةً ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ غُلاَمُ الْمُغِيرَةِ قَالَ الصَّنَعُ قَالَ نَعَمْ قَالَ قَاتَلَهُ اللَّهُ لَقَدْ أَمَرْتُ بِهِ مَعْرُوفًا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ مَنِيَّتِي بِيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي الإِسْلاَمَ قَدْ كُنْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ تُحِبَّانِ أَنْ تَكْثُرَ الْعُلُوجُ بِالْمَدِينَةِ ، وَكَانَ { الْعَبَّاسُ } أَكْثَرَهُمْ رَقِيقًا فَقَالَ إِنْ شِئْتَ فَعَلْتُ أَيْ إِنْ شِئْتَ قَتَلْنَا قَالَ كَذَبْتَ بَعْدَ مَا تَكَلَّمُوا بِلِسَانِكُمْ وَصَلَّوْا قِبْلَتَكُمْ وَحَجُّوا حَجَّكُمْ.[14]

وتخلية الإنسان من المعتقدات الفاسدة وحظ الشيطان منه له أولوية في شفائه العقدي؛ فقد ورد أنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَتَاهُ جِبْرِيلُ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً فَقَالَ هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ.[15] وفي روايةٍ؛ فَأَقْبَلَا يَبْتَدِرَانِي فَأَخَذَانِي فَبَطَحَانِي لِلْقَفَاءِ فَشَقَّا بَطْنِي، ثُمَّ اسْتَخْرَجَا قَلْبِي فَشَقَّاهُ فَأَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَتَيْنِ سَوْدَاوَيْنِ.[16] وعن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- شَرِبَ لَبَنًا[17] ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَمَضْمَضَ وَقَالَ « إِنَّ لَهُ دَسَمًا ».[18]

وأخيراً فإننا نلفت انتباهك عزيزي القارئ إلى ما ورد من نصوص ذكرناها سابقاً في احتجام النبي صلى الله عليه وسلم كلما وجد أثر السم في جسده، كما ذكرنا كيف أمر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن عجرة بحلق رأسه الذي امتلأ بالقمل.

---

• [1]   الجلالة : هي التي تأكل العذرة من الدواب والمراد ما ظهر في لحمها ولبنها نتن فينبغي أن تحبس أياما ثم تذبح
• [2]   مختصر إرواء  الغليل 2505 صحيح
• [3]   الجامع الصحيح سنن الترمذي 1798 صحيح
• [4]   مختصر إرواء الغليل 1974 صحيح
• [5]   السلسلة الصحيحة 2111
• [6]   صحيح سنن أبي داود 36 صحيح
• [7]   صحيح البخاري 6320
• [8]   يعني حلق شعر المولود ذكراً كان أم أنثى لوصف النبي صلى الله عليه وسلم له بالأذى
• [9]   صحيح البخاري 5472
• [10]   صحيح مسلم 7560
• [11]   المستدرك على الصحيحين 8250 سكت عنه الذهبي وصححه الحاكم
• [12]   صحيح سنن ابن ماجة 2824/3496 صحيح
• [13]   صحيح  البخاري 3168
• [14]   صحيح البخاري 3700
• [15]   صحيح مسلم 431
• [16]   المستدرك على الصحيحن 4230 صححه الذهبي
• [17]   اللبن: الحليب؛ فعند إطلاق اللبن فإنه يُقصد به ما تطلق عليه بعض البلدان العربية اسم الحليب في زماننا
• [18]   صحيح مسلم 824