حرص الشيطان وحزبه على تشكيك المرضى بالطب النبوي والتلاعب بعقول الأصحاء

حرص الشيطان وحزبه على تشكيك المرضى بالطب النبوي والتلاعب بعقول الأصحاء

العجب كل العجب من إصرار الذباب حتى في آخر أنفاسه في هذه الحياة على تحقيق غايته في نشر الأوبئة والأمراض؛ فلا يقع إلا على جناحه ذي السم؛ فقد ثبت أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : فَإِذَا وَقَعَ الذباب فِي الطَّعَامِ ، فَامْقُلُوهُ فِيهِ ، فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ ، وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ.[1] والعجب كل العجب من حرص الشيطان على دراسة وتحليل نقاط ضعف بني البشر حتى قبل خلقهم؛ حتى يُتقن إحداث الشرور فيهم؛ فقد ثبت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَمَّا صَوَّرَ اللَّهُ آدَمَ فِى الْجَنَّةِ تَرَكَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَتْرُكَهُ فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يُطِيفُ بِهِ يَنْظُرُ مَا هُوَ فَلَمَّا رَآهُ أَجْوَفَ عَرَفَ أَنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لاَ يَتَمَالَكُ ».[2]

وعند حديثنا عن هذا الموضوع لابد أن نتذكر قول الله تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) الناس؛ قال صاحب التيسير: وهذه السورة مشتملة على الاستعاذة برب الناس ومالكهم وإلههم، من الشيطان الذي هو أصل الشرور كلها ومادتها، الذي من فتنته وشره، أنه يوسوس في صدور الناس، فيحسن لهم الشر، ويريهم إياه في صورة حسنة، وينشط إرادتهم لفعله، ويقبح لهم الخير ويثبطهم عنه، ويريهم إياه في صورة غير صورته، وهو دائمًا بهذه الحال يوسوس ويخنس أي: يتأخر إذا ذكر العبد ربه واستعان على دفعه.[3] وليس هذا فقط؛ بل إن الشيطان يستخدم الأحلام ليتلعب بالإنسان ويهوله عليه ليدخل عليه الحزن والنكد ويتلف بدنه وأعصابه.[4]

وتلاعب الشيطان الرجيم بعقول الأصحاء أيضاً فأعقبهم ندامة إلى يوم الدين؛ فقد قال تعالى: فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) الأنعام؛ قال صاحب التيسير: فظنوا أن ما هم عليه دين الحق، فتمتعوا في باطلهم برهة من الزمان، ولعب بعقولهم الشيطان. ودلّس الشيطان على أكثر البشر فشوش عقولهم بالأساطير والأوهام والشائعات فيما يتعلق بأمراضهم وأسقامهم؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم في قصة إسلام ضمام؛ حِينَ وَلَّى: «إِنْ يَصْدُقْ ذُو الْعَقِيصَتَيْنِ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ» وَكَانَ ضِمَامُ رَجُلًا جَلْدًا أَشْعَرَ ذَا غَدِيرَتَيْنِ، ثُمَّ أَتَى بَعِيرَهُ، فَأَطْلَقَ عِقَالَهُ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فَكَانَ أَوَّلُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ وَهُوَ يَسُبُّ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، فَقَالُوا: مَهْ يَا ضِمَامُ، اتَّقِ الْبَرَصَ، وَالْجُذَامَ، وَالْجُنُونَ، فَقَالَ: وَيْلَكُمْ إِنَّهُمَا وَاللَّهِ لَا يَضُرَّانِ وَلَا يَنْفَعَانِ ….[5]

والعجيب أن هؤلاء جميعاً هم أسرع الناس إلى الاستشفاء بما أتى به الوحي الكريم عند أزماتهم ومصائبهم؛ فقد قال تعالى: وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) الروم؛ قال صاحب التيسير: { وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ } مرض أو خوف من هلاك ونحوه. { دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ } ونسوا ما كانوا به يشركون في تلك الحال لعلمهم أنه لا يكشف الضر إلا اللّه.[6]

{ استدلال إشاري }

وقال تعالى: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136) الأعراف.

{ فائدة }

وقد نبّه الله سبحانه إلى سبب تشكيك هؤلاء القوم بما ورد من نصوص شرعية في أي موضوع من موضوعات الحياة؛ قال سبحانه: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) الأنعام، وقال تعالى: لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79) الزخرف، وقال سبحانه: أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) المؤمنون.

قال صاحب التيسير: وقد علم كراهتهم لهذا الأمر وتعجبهم منه فكون الرسول أتى بالحق وكونهم كارهين للحق بالأصل هو الذي أوجب لهم التكذيب بالحق لا شكا ولا تكذيبا للرسول…. { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بذكرهم } أي بهذا القرآن المذكر لهم بكل خير الذي به فخرهم وشرفهم حين يقومون به، ويكونون به سادة الناس { فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ } شقاوة منهم وعدم توفيق.

ولم يقنع بعض الأصحاء بصحتهم التي أنعم الله الشافي عليهم بها، فصار الواحد منهم يسعى إلى تغيير خلقة الله تعالى التي خلقه بها من خلال ما يسمى بالعمليات الطبية التجميلية لغير ضرورة شرعية معتبرة؛ تصديقاً لقوله تعالى: وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) النساء؛ قال صاحب التيسير: { وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ } وهذا يتناول تغيير الخلقة الظاهرة بالوشم، والوشر والنمص والتفلج للحسن، ونحو ذلك مما أغواهم به الشيطان فغيروا خِلقة الرحمن. وذلك يتضمن التسخط من خلقته والقدح في حكمته، واعتقادَ أن ما يصنعون بأيديهم أحسن من خلقة الرحمن، وعدم الرضا بتقديره وتدبيره، …..فافترستهم الشياطين في هذا الموضع افتراس السبُع والذئاب للغنم المنفردة. لولا لطف الله وكرمه بعباده المخلصين لجرى عليهم ما جرى على هؤلاء المفتونين، وهذا الذي جرى عليهم من توليهم عن ربهم وفاطرهم وتوليهم لعدوهم المريد لهم الشر من كل وجه، فخسروا الدنيا والآخرة، ورجَعوا بالخيبة والصفقة الخاسرة.

{ تأمل 3 }

جاء في الكتاب والسنة العديد من النصوص التي تصف المعرضين عن الوحي وشرائعه في هذه الدنيا بالمصابين بالأمراض الجسدية كالعمى والصم والبكم وضيق الصدر ووقوع الرجس عليهم؛  وأكدت بعض هذه النصوص أن هذه الأوجاع ستقع على مستحقيها يوم الحشر الأعظم؛ ومن هذه النصوص؛ قوله تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125) الأنعام. وقال تعالى: وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (71) المائدة، وقال تعالى: قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) طه.قم باستقراء ما أمكنك جمعه من هذه النصوص؛ واستعرض ما تخرج به من توصيات مع زملائك.

كما تلاعب الشيطان بعقول المتعالمين الذين قد شككوا بعدالة الرواة الثقاة فتسببوا في تثبيط نشر المعلومات  الطبية الصحيحة في أزمانهم؛ فعَن أَبِي رَزِينٍ قَالَ : رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَضْرِبُ جَبْهَتَهُ بِيَدِهِ ، وَيَقُولُ : يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ , أَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنِّي أَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ ، لِيَكُونَ لَكُمُ الْمَهْنَأُ ، وَعَلَيَّ الإِثْمُ ، أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ : إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ ، فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ.[7] وقد جاءت السنة بألفاظ تشير إلى أن كثيراً ممن يجهل شفاء الأسقام والأوجاع؛ هم أنفسهم من أكثر الناقدين للأشفية الصحيحة؛ فقد قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَا أَظُنُّ فُلاَنًا وَفُلاَنًا يَعْرِفَانِ مِنْ دِينِنَا شَيْئًا. قَالَ اللَّيْثُ كَانَا رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُنَافِقِين،[8] فالجهل بالنصوص الواردة في المسائل سبب لتصدر الجاهل مجادلة العلماء فيها؛ وورد أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ؛ [9] قال صاحب الفتح: وفي الحديث الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ بَعْضَ الْأَدْوِيَةِ لَا يَعْلَمُهَا كُلُّ أَحَدٍ.[10] وقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللهِ الأَلَدُّ الْخَصِمُ.[11] أورده البخاري عند باب الألد الخصم. وقال هو الدائم في الخصومة {لدا} عوجا {ألد} أعوج. قال صاحب الفتح: وَتَفْسِيرُ الْأَلَدُّ بِالشَّدِيدِ الْخُصُومَةِ لِأَنَّهُ كُلَّمَا أُخِذَ عَلَيْهِ جَانِبٌ مِنَ الْحُجَّةِ أَخَذَ فِي آخَرَ أَوْ لِأَعْمَالِهِ لَدِيدِيَّةٌ وَهُمَا جَانِبَا فَمِهِ فِي الْمُخَاصَمَةِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي كِتَابِ الْمَجَازِ فِي قَوْلِهِ قوما لدا وَاحِدُهُمْ أَلَدٌّ وَهُوَ الَّذِي يَدَّعِي الْبَاطِلَ وَلَا يَقْبَلُ الْحَقَّ.[12]

قال تعالى: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا … (18) الأحزاب. العَائِقُ: الصارف عمّا يراد من خير، ومنه: عَوَائِقُ الدّهر، يقال: عَاقَهُ وعَوَّقَهُ واعْتَاقَهُ. قال تعالى: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ [الأحزاب/ 18] ، أي: المثبّطين الصّارفين عن طريق الخير، ورجل عَوْقٌ وعَوْقَةٌ: يَعُوقُ النّاسَ عن الخير، ويَعُوقُ: اسم صنم.المفردات في غريب القرآن

{ فائدة }

ومن لم يحط بنصوص الشريعة وأخبارها في الموضوع المعين؛ سارَع إلى الإنكار والتكذيب ظلماً منه؛ ومن علامات الفطنة والذكاء في الإنسان أن يجمع جميع ما ورد في المسألة المعينة قبل إنكارها؛ فقد قال تعالى: بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39) يونس. وقال الله الشافي سبحانه: وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85) النمل.

قال صاحب التيسير: والواجب عليكم التوقف حتى ينكشف لكم الحق وأن لا تتكلموا إلا بعلم، فكيف كذبتم بأمر لم تحيطوا به علما؟

والشفاء قد يحدث أحياناً على يد أهل الباطل بأساليب غير شرعية؛ ليختبرنا الله الشافي سبحانه هل نصدق الوحي أم نؤمن بهم؛ ولهذا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْتِي الدَّجَّالُ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ فَيَنْزِلُ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي تَلِي الْمَدِينَةَ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ وَهْوَ خَيْرُ النَّاسِ ، أَوْ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي ، حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَهُ فَيَقُولُ الدَّجَّالُ أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ هَلْ تَشُكُّونَ فِي الأَمْرِ فَيَقُولُونَ لاَ فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ فَيَقُولُ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ فِيكَ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْيَوْمَ فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَلاَ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ.[13] ولو تأملنا هذا النص العظيم لعلمنا كيف أن هذه الحادثة زادت أتباع الدجال ضلالاً مع ضلالهم، وزادت هذا الشاب إيماناً ويقيناً مع إيمانه. وعَن ابْنِ أُخْتِ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ ، عَنْ زَيْنَبَ قَالَتْ : كَانَتْ عَجُوزٌ تَدْخُلُ عَلَيْنَا تَرْقِي مِنَ الْحُمْرَةِ ، وَكَانَ لَنَا سَرِيرٌ طَوِيلُ الْقَوَائِمِ ، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ إِذَا دَخَلَ تَنَحْنَحَ وَصَوَّتَ ، فَدَخَلَ يَوْمًا فَلَمَّا سَمِعَتْ صَوْتَهُ احْتَجَبَتْ مِنْهُ ، فَجَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِي فَمَسَّنِي فَوَجَدَ مَسَّ خَيْطٍ فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ فَقُلْتُ : رُقًى لِي فِيهِ مِنَ الْحُمْرَةِ فَجَذَبَهُ وَقَطَعَهُ فَرَمَى بِهِ وَقَالَ : لَقَدْ أَصْبَحَ آلُ عَبْدِ اللهِ أَغْنِيَاءَ عَنِ الشِّرْكِ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّ الرُّقَى ، وَالتَّمَائِمَ ، وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ. قُلْتُ : فَإِنِّي خَرَجْتُ يَوْمًا فَأَبْصَرَنِي فُلاَنٌ ، فَدَمَعَتْ عَيْنِي الَّتِي تَلِيهِ ، فَإِذَا رَقَيْتُهَا سَكَنَتْ دَمْعَتُهَا ، وَإِذَا تَرَكْتُهَا دَمَعَتْ ، قَالَ : ذَاكِ الشَّيْطَانُ ، إِذَا أَطَعْتِهِ تَرَكَكِ ، وَإِذَا عَصَيْتِهِ طَعَنَ بِإِصْبَعِهِ فِي عَيْنِكِ. [14] ولهذا فإن من الخطأ ما يقوم به كثير من المعالجين اليوم بشكل عام، والرقاة منهم بشكل خاص من الاستشهاد على صحة مخالفتهم للنصوص الشرعية بما يشاهدونه من أعراض ظاهرية؛ يقوم بها عدوهم المبين؛ الشيطان الرجيم؛ وهم في كل ذلك مصدقون له رغم أنهم لا يشاهدونه وهو يخفى عليهم؛ فبئس مطيتهم تصديقهم لغريمهم؛ فصاروا يدعون إلى طرقهم الخاصة في العلاج دون وجه حق مخال (صحيح وضعيف سنن النسائي)فين بذلك مقاصد الشريعة والأدلة الصحيحة في النهي عن تصديق الشياطين في أقوالهم؛ ولسان حالهم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: مَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا.[15]

{ تأمل 4 }

قال تعالى: أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) النحل، وقال تعالى: أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) العنكبوت؛ تصفح أمثلة واقعية على شبكات التواصل الاجتماعي لأحداث ووقائع يسارع فيها المعالجون أو المتعالجون إلى تصديق أي خبر علمي أو طبي يأتي من الأمم الأخرى حتى وإن كان خبراً غير موثوقٍ ولم تتم دراسته وفق المعايير العلمية الحديثة؛ في حين يمضي هذا الشخص حياته في التشكيك بما ورد من فوائد طبية وصحية في القرآن الكريم والسنة الصحيحة؛ ثم اكتب الأسباب الرئيسة لهذا السلوك المتناقض، وتحدث كيف يمكنك معالجته أو الحد منه.

{ فائدة }

جاء الوعيد بالإصابة بأكثر الأمراض فتكاً لكل من استهزأ بالحق وغير وبدّل كلام الله تعالى؛ فقد قال تعالى: وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162) الأعراف. وقال تعالى: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59) البقرة.

قال صاحب التيسير: { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ } حين خالفوا أمر اللّه وعصوه { رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ } أي: عذابا شديدا، إما الطاعون وإما غيره من العقوبات السماوية. [16]وقال ابن كثير: وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ المفسرون وما دل عليه السياق أَنَّهُمْ بَدَّلُوا أَمْرَ اللَّهِ لَهُمْ مِنَ الْخُضُوعِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ فَأُمِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا سُجَّدًا فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى اسْتَاهِهِمْ مِنْ قِبَلِ اسْتَاهِهِمْ رَافِعِي رُؤُوسِهِمْ وَأُمِرُوا أَنْ يَقُولُوا حِطَّةٌ أَيِ احْطُطْ عنا ذنوبنا وخطايانا، فاستهزأوا فقالوا حنطة في شعيرة، وَهَذَا فِي غَايَةِ مَا يَكُونُ مِنَ الْمُخَالَفَةِ وَالْمُعَانَدَةِ وَلِهَذَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِمْ بَأْسَهُ وَعَذَابَهُ بِفِسْقِهِمْ وَهُوَ خُرُوجُهُمْ عَنْ طَاعَتِهِ. وَلِهَذَا قَالَ: فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ قالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: الرِّجْزُ الْغَضَبُ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: الرِّجْزُ إِمَّا الطَّاعُونُ وَإِمَّا الْبَرْدُ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الطَّاعُونُ.[17]

قال تعالى: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) الزمرالإنابة والاستسلام لله تعالى ووحيه، واتباع أحسن ما أنزل إلينا من ربنا؛ سبيل النجاة من العذاب المفاجئ، والأوبئة الجماعية الفتاكة المهلكة

---

• [1]   صحيح سنن ابن ماجة 2823/3495 صحيح
• [2]   صحيح مسلم 6815
• [3]   تيسير الكريم الرحمن – تفسير السعدي
• [4]   المقدمات والممهدات السلفيات في الرؤى والمنامات ص435
• [5]   المستدرك على الصحيحين 4380 صححه الذهبي
• [6]   تيسير الكريم الرحمن – تفسير السعدي ص 754
• [7]   صحيح سنن ابن ماجة 290 صحيح
• [8]  صحيح البخاري 6067
• [9]   السلسلة الصحيحة 451
• [10]   فتح الباري شرح صحيح البخاري – لابن حجر العسقلاني 10/135
• [11]  صحيح البخاري 7188
• [12]   فتح الباري شرح صحيح البخاري – لابن حجر العسقلاني 13/181
• [13]   صحيح البخاري 7132
• [14]   سنن ابن ماجة بتحقيق الأرنؤوط 3530 حسن
• [15]   صحيح مسلم 6980
• [16]   تيسير الكريم الرحمن – تفسير السعدي
• [17]   تفسير القرآن العظيم لابن كثير